آخر الأحداث والمستجدات
والي مكناس يضرب بيد من حديد

منذ انطلاق ما سمي بالحراك الاجتماعي بالمغرب، لم تعرف مدينة مكناس أحداث عنف أو تدخلات أمنية عنيفة، باستثناء بعض المناوشات وبعض عمليات التفريق لم تصل إلى درجات العنف الأمني أو القمع الفاحش، ورغم تعدد خرجات حركة 20 فبراير بالمدينة منذ أزيد من سنة، فإن المسيرات والوقفات كانت سلمية عبرت عن انشغالات ومطالب المدينة، ورفعت شعارات تطالب بالتغيير والإصلاح وإسقاط الفساد، وكلها شعارات تبنتها الحركة وطنيا، كما أن الاحتجاجات شبه اليومية لعدد من مجموعات حاملي الشهادات المعطلين لا تخرج عن مسارها السلمي على الرغم من تعدد أشكال الاحتجاج والتعبير عن المطلب الدستوري في الشغل، لكن ذلك لا ينفي استعمال "الزرواطة" في حالات معدودة لترهيب المحتجين وكبح إرادتهم في الدفاع عن حقوقهم، خصوصا ما يتعرض له الطلبة من تعنيف في مناسبات مختلفة.
وبالنظر إلى حالات التدخلات الأمنية لقمع الاحتجاجات بالمدينة، فإن المتتبع لا يجد لها تفسيرا زمنيا أو أمنيا واضحا، فالحركة لم تشكل مخاوف حقيقية منذ انطلاقتها بالمدينة، كما أن نضالاتها كانت سلمية ولا تزال، أما مسيراتها فلا تتجاوز مدتها ساعة أو ساعتين، ولم تعرقل يوما مصالح الناس الإدارية بحكم تنظيمها أيام الآحاد. وعلى العموم فإن العلاقة بين الحركات الاحتجاجية والجهات الأمنية لم تعرف لحظات توتر من شأنها خلق أزمة بين الطرفين.
إلا أن ما وقع ليلة السبت 11 غشت، خلال الوقفة الاحتجاجية التي دعت إليها فعاليات نقابية وحقوقية وتبنتها أيضا حركة 20 فبراير وطنيا ضدا على الاعتقالات السياسية وتزايد وثيرة الغلاء، من شأنه أن يدخل الجهات الأمنية والسلطات المحلية مرحلة جديدة في تعاملها مع الاحتجاج المطلبي، وذلك نتيجة تدخل أمني لفك الاحتجاج فاجأ مكونات الوقفة وجموع المارة الذين كادت هراوات البوليس تصيبهم، وأسفر التدخل على إصابة عدد من المحتجين من بينهم قياديون نقابيون ونشطاء حقوقيون وآخرون ينتمون لحركة 20 فبراير بمكناس.
وقد عرف نفس الاحتجاج بمدينة تطوان تدخلا أمنيا مماثلا بدعوى تزامنه مع الزيارة الملكية للمدينة، وهو مبرر يبقى غير مقبول بالنظر إلى أن الزيارة الملكية في عدد من المدن تزامنت مع حركات احتجاجية دون، تواجه بنفس الأسلوب، فالحق في الاحتجاج والتظاهر السملي، يبقى حقا دستوريا وكونيا تضمنه المواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، خصوصا إذا التزم بالمعايير الاحتجاجية السلمية والرصينة، وحسن التنظيم. فكيف يبررون التدخل الأمني في حق متظاهري مدينة مكناس؟
يبدو من خلال قراءات سريعة لمجريات الحادث، أن التغيير الذي حصل على رأس عمالة الجهة قد جاء بنظرة أمنية صرفة في التعاطي مع الاحتجاج بالمدينة مهما كانت درجته، فالوالي الجديد يبدو أن له طريقة أخرى في "تهدئة" الأوضاع، والتعامل مع مطالب المواطنين، وما يؤكد ذلك ما عانته الخرجات الاحتجاجية بمدينة القنيطرة، التي كان واليا عليها، فقد كانت المسيرات تقمع قبل انطلاقها، والمحتجون يتعرضون للتفريق فبل تجمعهم، وكثيرا ما كانت القنيطرة تشكل الاستثناء وطنيا في طريقة التعامل مع احتجاجات الحركة، وتشهد مقاطع الفيديو على شراسة التدخلات التي عانى منها كل من خرج للاحتجاج بعاصمة الغرب منذ انطلاق حراك 20 فبراير. ويبدو أن نفس النظرة ونفس التعامل الأمني سوف يطبع المواجهة بين المحتجين والسلطات بمكناس في قادم الأيام، إلى حين إثبات العكس.
التدخل غير المفاجئ ليوم 11 غشت قد يخلق توترا في العلاقة بين أطراف المعادلة، فبعدما كانت مشاهد الاحتجاج تعكس وجها حضاريا راقيا، يبدو أن القبضة الحديدية للوالي الجديد سوف تغير صورة التعامل الأمني بشكل قد يؤدي إلى تراجعات غير محمودة.
الكاتب : | حميد سرحان |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2012-08-17 21:03:00 |